تحقيق: محمد توفيق أحمد
كريزم
من المسؤول عن تأخير تنفيذ المشاريع؟
أموال تهدر ... وجهد يستنزف ...
ووقت يضيع !
في
مخيم الشاطئ بمدينة غزة، تم تعبيد أو رصف أحد الشوارع ومن ثم تكسيره
وحفره حوالي ثماني مرات، مما دعا الكثير من المواطنين للتساؤل عن الجدوى من هذه
المشاريع التي كثيرا ما يحدث لها مثيل ذلك في محافظات غزة مما يؤدي إلى إهدار
الأموال واستنزاف الجهد وإضاعة الوقت.
والسؤال
الذي يدور على بساط البحث والنقاش من المسؤول عن هذا ؟
وعندما
نتساءل، ومن حق أي مواطن أن يتساءل عن أسباب ذلك فهذا لا يعني أننا ضد التطوير
والبناء، وإنما نتساءل من دافع الحرص على بناء الوطن بالطريقة الصحيحة دون تعثر أو
أخطاء في العمل.
رصف
وتكسير عدة مرات
المواطن
إسماعيل الكحلوت من سكان مخيم الشاطئ يقول: بدأوا في رصف هذا الشارع الذي يجاور
بيتي منذ ثلاث سنوات، وبعدما تم تعبيده ومرور بضعة أشهر عليه، تم تكسيره مرة أخرى
لإنشاء شبكة مياه، ثم أعيد رصفه، وبعد شهور قليلة تم تكسير الشارع ذاته من جديد
لإنشاء شبكة مجاري، وحتى الآن لم يعد إصلاحه وبقي على هذا الحال.
أما المواطن
هاني مصلح من سكان مدينة غزة فيقول: هذا الوضع لم أعد أحتمله إنه وضع مأساوي لي
ولأسرتي، مشيرا إلى أن الحفريات في الشارع الذي أمام بيته تمنعه من حرية الحركة .
كذلك عبر
المواطن إسماعيل زقوت عن استيائه من تأخير المشاريع التي كثيرا ما يكون سببها تلكؤ
المقاولين في تنفيذ مشاريعهم .
كما أن
المواطن زهير السيد قال: إن ميناء طواری غزة ماثل أمامنا وهو عبارة عن تراكم من
الأخطاء وسوء في التنفيذ، والثمن كان أموالا باهظة خسرها المشروع.
تعدد
جهات الإشراف
يقول أحمد
أبو السعيد مدير إحدى شركات المقاولات إن الأسباب الرئيسية وراء تعثر المشاريع في
غزة يرجع إلى بيروقراطية القوانين المطبقة التي لا تأخذ بعين الإعتبار احتياجات
المشاريع، إضافة إلى عدم وضوح تفاصيل العطاءات عن طرحها، مما يزج المقاول في
متاهات تدفعه بالتالي إلى الأخطاء في التنفيذ.
وأضاف أبو
السعيد إن بعض الشركات التي تنقصها الإمكانات المادية والفنية تحصل على عطاءات المشاريع لمجرد العمل وتعويض
خسائر سابقة وهذا يعني أن هؤلاء لا يلتفتون كثيرا إلى جودة العمل، بل المجرد الحصول على الدفعات المالية.
وأشار أبو
السعيد إلى أن عدم توفر الخبرات اللازمة لدى جهاز الإشراف لبعض المشاريع التي
تحتاج إلى تقنية عالية أو محددات بذاتها تؤدي إلى ارباك في تنفيذ المشاريع والوقوع
في أخطاء كثيرة مما ينتج تأخير في المشاريع وعدم تسليمها في المواعيد المحددة.
وعزا أبو
السعيد بعض أسباب تأخير المشاريع إلى تعدد جهات الإشراف والتناقضات بينها على
المشروع الواحد، إضافة إلى تأخر دفع المستحقات المالية من الجهات الممولة للشركات لاسيما في ظل الضائقة الإقتصادية التي
يمر بها الإقتصاد الفلسطيني.
وطالب أبو
السعيد بضرورة وضع التشريعات والقوانين الكفيلة بتشديد الرقابة على تنفيذ
المشاريع، واخضاعها إلى الإشراف المستمر من قبل المؤسسات والجهات المعنية
بالمشاريع نفسها. أين المواصفات الفلسطينية؟
وحول هذا
الموضوع يقول المهندس حاتم أبو شعبان نائب رئيس اتحاد المقاولين إن مسؤولية تأخير
المشاريع هي مسؤولية مشتركة ما بين مالك المشروع والشركة المنفذة له، لكن حل هذه
المسألة - كما يوضح - يكمن بين الطرف الأول كالبلديات مثلا والشركات، وذلك للأسباب والمعطيات التالية:
أولا:
المواصفات التي تضعها البلديات أو بكدار ليست فلسطينية وغير كاملة المعالم، مما
يسبب إرباكا في تنفيذ المشروع، فالمواصفات يجب أن تتوافق مع واقعنا وظروفنا
الحياتية.
ثانيا: لا
يوجد جهاز إشراف أو رقابة من قبل الجهات التي تملك المشروع، وإن وجد فطواقمه غير
ملمة بأصول العمل بصورة تفصيلية إضافة إلى نقص المعرفة في متطلبات ومستلزمات
المشروع مما يؤدي إلى التعثر في العمل، وبالتالي هنا لابد من التأكيد على مبدأ
التخصص .
ثالثا: تأخير
الدفعات المالية للمقاول يجعله يغرق في دوامة الخسارة مما يضطره إلى اللجوء للبنوك
والاقتراض منها لاسيما المشاريع الممولة من الاتحاد الأوروبي.
رابعا: ترسية
عطاءات المشاريع على الشركات التي تدفع أقل الأسعار، إلى حد أنها تمنح بعض
العطاءات رغم علمها المسبق أن الأسعار المدفوعة أقل بكثير من التقديرات الحجم
التكلفة الحقيقية للمشروع، علما أن المقاول يلجأ خلال تنفيذه للمشروع إلی تعويض ما
خسره جراء الأسعار القليلة التي دفعها، وذلك عن طريق استعمال مواد بناء رديئة أو
تقليل بعضها، وبالتالي يكون هناك إهدار في الأموال والجهد والوقت ويضطر المقاول
إلى اللجوء إلى أعمال الغش والتحايل والتدليس عند تنفيذ المشروع.
أما الأسباب
التي تقع على عاتق المقاول ويتحمل هو مسؤوليتها يكشفها أبو شعبان :
أولا:
التباطؤ في العمل وانتهاج بعض الطرق السلبية في التنفيذ.
ثانيا:
الفوضى الحسابية لدى بعض شركات المقاولات وبالذات حديثة العهد، وافتقادها
اللحسابات الدقيقة مما يؤدي إلى إرباكها ماليا وعدم تغطية عجزها.
ثالثا: جهاز
الإشراف لدى بعض شركات المقاولات غير ملم بالمخططات والخرائط الصحيحة، مما يؤدي
إلى الوقوع في أخطاء كثيرة، وبالتالي إعادة العمل من جديد، وهنا ينتج التأخير.
رابعا: بعض
شركات المقاولات تدرس العطاءات بصورة متأنية وعلمية، خاصة، وأن العطاءات تكون
باللغة الإنجليزية لاسيما الممولة من قبل الدول المانحة .
وأوضح أبو
شعبان أن شركات المقاولات لیست مسؤولة عما يتضمن المشروع من مخططات، فمثلا عندما
تطرح بلدية غزة مشروعا الرصف إحدى الطرق دون أن يتضمن أعمال البنية التحتية، هنا
الشركة تنفذ ما يتضمنه العقد من شروط فقط دون حذف أو زيادة. سوء التخطيط وغياب
التنسيق.
من ناحيته
أوضح المهندس سمير أبو علي مدير دائرة المشاريع في وزارة الأشغال أن أسباب التأخير
في تنفيذ المشاريع يعود إلى عدم التنسيق وسوء التخطيط وعدم الاعتماد على الأبحاث والدراسات العلمية الصحيحة مما
يؤدي إلى التخبط والتعثر كذلك فإن التداخل في الصلاحيات بين المؤسسات المختلفة قد
يعقد الأمور أكثر فأكثر.
وأضاف إن عدم
استقرار السوق الفلسطيني الذي سببه الإغلاق والحصار جعل أسعار مواد البناء
والإنشاءات باهظة الثمن مما يضطر إلى استيراد مواد متعددة المواصفات لاسيما وأن
السوق الفلسطيني يعاني من نقص ومحدودية في المواد.
وأشار
المهندس أبو علي إلى أن وزارة الأشغال ستنشئ مركز مصادر المعلومات الذي يختص بكل
ما يتعلق بمواد البناء والإنشاءات، وسيكون الهدف منه تقديم الخدمات المعلوماتية الشركات المقاولات وأصحاب المشاريع حتى تكون
أرضية مشاريعهم سليمة لا يشوبها أية اخطاء، وسيساهم المركز في التخفيف من عبء
الضغوطات التي تواجه المقاولين وبالتالي فإن المركز سيكون له دور محوري ومركزي في
تنفيذ المشاريع حسب الفترة الزمنية المخطط لها .
معوقات
إسرائيلية وقال إسحاق البيطار مدير دائرة المشاريع في بلدية غزة: إن سلطات
الاحتلال الإسرائيلي تعمد إلى تأخير مواد البناء المستوردة من مصر عن طريق معبر
رفح لاسيما الاسمنت الفترات طويلة خاصة وأن الشاحنات المحملة بهذه المواد تظل واقفة تحت أشعة الشمس دون وجود أشياء
واقية، وبالتالي فإن الاسمنت على وجه الخصوص يفقد قيمته الإنشائية من حيث القوة
والتماسك العضوي.
وأشار
البيطار إلى أن إصرار المقاول على استعمال مواد البناء التي فقدت قوتها وحيويتها
الإنشائية نتيجة لعامل التأخير قد يؤدي إلى كوارث.
وعلل البيطار
ذلك بأن المقاول يسعي جاهدا لتسليم المشروع الذي ينفذه دون تأخير حتى لا يعرض نفسه
للمساءلة أو العقاب، مضيفا في الوقت ذاته أن المشاريع التي تطرحها بلدية غزة ليست
كبيرة أو تحتاج إلى تكنولوجيا ومعدات حديثة، وهي في معظمها مشاريع بسيطة، منوها أن
البلدية تقوم بتغريم الشركة المنفذة عن كل يوم تأخير حوالي ۰٫۱٪ من قيمة المشروع وذلك بعد التأكد من أسباب
التأخير وتمحيصها جيدا، مع الأخذ بعين الاعتبار أسباب التأخير الناتجة عن الحصار
أو الاغلاقات أو الإجراءات الاحتلالية.
وحول توجيه
أصبع الاتهام للبلدية من قبل بعض شركات المقاولات فيما
يتعلق بالعطاءات والمناقصات قال البيطار إن بلدية غزة عندما تطرح مشروعاتها
للتنفيذ تضع تقديرات الحجم تكلفتها التي تعتمد بالدرجة الأولى على المشاريع
السابقة، وأن المتحكم الرئيس في الأسعار هو المقاول وهو أدرى بأسعار السوق، لكن
تظل المسألة أن المقاول يحاول توفير بعض الشيء على نفسه، مؤكدا أن إرساء العطاءات
لا يتم إلا بعد التأكد من الشروط المطلوبة التي يجب توفرها في الشركة المعنية،
فهناك الضمان البنكي، ومراجعة الأسعار التي تطرحها الشركة لتتم مطابقتها
للمواصفات، لكنه أوضح في نفس الوقت أنه من مصلحة البلدية الأخذ بأقل الأسعار .
وأشار في
معرض حديثه أنه قد يكون هناك سوء تخطيط ، لكن ليس بالشكل الذي يتصوره البعض، حيث تدخل
في المعادلة بعض الملابسات والتداخلات في الاختصاصات نظرا لعدم وجود التنسيق
والتعاون الكافي بين الجهات المختصة، إضافة إلى أن الحكومات الممولة من الدول
المانحة لها شروطها التي أحيانا لا تنسجم أو تتوافق مع مخططات وتصاميم البلدية،
وبالتالي إذا أحجمنا عن تنفيذ المشروع سنفقد المنحة المالية.
دائرة
المشاريع في بكدار
لعل أهم
الأعمال والنشاطات التي يقوم بها. المجلس الاقتصادي للتنمية والاعمار هو توفير
التمويل للمشاريع مع تنفيذها والإشراف عليها سواء كانت المشاريع إنشاء مدارس أو
عيادات أو شبكات صرف صحي أو محطات ضخ مياه المجاري كذلك إنشاء شبكات المياه وإقامة
طرق جديدة، ويتم تنفيذ المشاريع بالتعاون والتنسيق مع الأقسام الفنية التابعة
للوزارات والبلديات، حيث إن فرع بكدار في غزة يعمل على تنفيذ مشاريع بميزانية تقدر با 60 مليون دولار.
وأوضح د/
خالد نجم مدير عام دائرة المشاريع في بكدار أن المجلس يعمل على تطوير أدائه من
خلال ثلاثة أقسام رئيسية هي:
أولا: قسم
إعداد المشاريع ويختص في مراقبة المشاريع وإعداد العقود والتأكد من الجدوى
الاقتصادية والاجتماعية للمشروع ضمن شروط الدول المانحة.
ثانيا: قسم
المناقصات والتعاقد : ويضع شروط التعاقد حسب أنظمة الدول الممولة، وتأهيل شركات
المقاولات، للتنافس على المشاريع المدرجة أو المعدة من قبل قسم إعداد المشاريع،
إضافة إلى مراقبة الإنفاق المالي للمشاريع والتأكد من عدم حدوث ممارسات خاطئة.
ثالثا: قسم
الإشراف : ويشمل الإشراف على تنفيذ المشاريع، كذلك يختص بإعداد الجداول الزمنية
والتدفق المالي لمتابعة المشروع بالتنسيق مع الجهة المالكة للمشروع. وأشار نجم إلى
أن هناك مشاريع تستغرق شهرين وأخرى ثمانية عشر شهرا، وتنقسم إلى مشاريع صغيرة
ومدتها من 60 يوم - ۹۰ يوم ومشاريع
كبيرة تحتاج فترة تصل إلى عشرة شهور مثل المدارس والطرق الرابطة مثل شارع صلاح
الدين الذي يربط كافة محافظات قطاع غزة، ومن المتوقع الانتهاء منه في غضون عامين .
وأضاف أن
معظم المشاريع تتم تحت إشراف المكاتب الاستشارية المحلية حسب الأنظمة المعمول
بهالدی المجلس الاقتصادي (بكدار)، وبذلك يتحقق أهم هدف للمجلس وهو خلق فرص عمل وتشغيل المؤسسات المحلية، إضافة
أن ما نسبته 95% من تنفيذ المشاريع تقوم بها شركات المقاولات المحلية.
وعن السبب
الرئيسي في تأخير المشاريع قال نجم بأن هناك معادلة لابد من تحقيقها وهي حاجة
المشروع الكاملة - ومدى توفر الأموال، وكثير من الأحيان يتطلب مشروع بعض ر الأعمال
الأخرى كالبنى التحتية مثلا، إلا أنه لا توجد دولة مانحة على استعداد لتمويل هذه
الأعمال، وهنا نضطر إلی وضع حلول تعالج النقص في التمويل، نظرا لعدم وجود بنی
تحتية أساسية أو عدم استكمال مخططات تطوير المدن، مضيفا أن يكدار لا تعرف أين تؤدي
مخططات البنية التحتية .
وضرب نجم
مثالا على ذلك أن أحد الشوارع في مدينة خانيونس تم رصفه بعد توفير التمويل دون
النظر للبنية التحتية، لكن عندما توفرت الأموال بعد شهر تم تكسير الشارع لإنشاء
البنية التحتية من منطلق الاضطرار لذلك .
مواصفات
عالمية وفي سياق رده علی الاتهامات الموجهة لبكدار من قطاع المقاولات إذا كانت
هناك مواصفات فلسطينية للمشاريع أم لا، قائلا : إذا افترضنا جدلا ذلك فهذا يعني
أنه لا توجد مواصفات عربية، أو دولية فبكدار عندما تطرح عطاءات المشاريع فهذا يعني
أن المقاول يشتري مواصفات يتضمنها العطاء، وهذه المواصفات يتم وضعها من الدول
المانحة التي تمول المشروع، لكن ما يحصل أن المقاول لا
يطلع على المواصفات بشكل متأن وصحيح. وأوضح نجم كذلك في معرض رده عن السياسة التي
تتبعها بكدار في إرساء العطاءات على أقل الأسعار مبينا أن هذا ليس صحيحا دائما،
فهناك خطوط حمراء لعدم تجاوز تكلفة وتقديرات المشروع، وإذا كان العطاء أقل فإنه
يرفض وينقل للذي يليه، وإذا كان العطاء ضمن الخطوط الحمراء أو فوقه فهو يعتبر سعرا
منافسا لتنفيذ المشروع، لاسيما وأن بكدار تقيدها شروط الدول المانحة التي تلزم
بقبول أقل الأسعار، حيث إن 40٪ من تلزيمنا للعطاءات يكون لأقل الأسعار.
مراقبة
ومتابعة للمشروع
وأكد نجم أن
مراقبة المشروع وأجزاؤه ومكوناته تتم من قبل مهندسي المواقع ومنسقي البرامج، منوها
أن نكدار لا تدفع الأموال للمقاول إلا بعد التأكد من الشهادات بأن المشروع نفذ
بالشكل الصحيح والمطلوب .
وفي حالة
ارتكاب الأخطاء، توجد خصومات على المقاول تسمى سوء تنفيذ، لكن هذه النسبة لا تزيد
عن ۲٪ كذلك توجد فترة صيانة لمدة عام لكل مشروع،
يتم خلالها اكتشاف عيوب التنفيذ، وبالتالي يقوم المقاول بتصليحها.
لكن سوء
المنظر الذي نراه، ليس ناتجا عن أعمال الغش في التنفيذ، بل يكون ناجما عن العبث
بالمشروع بعد تسلمه من المقاول، ومثال على ذلك أن بکدار سرعان ما انتهت من رصف
شارع في شمال غزة حتى جاءت البلدية لتقوم بتكسير الشارع بحجة إقامة شبكة مجار،
وبعد أعمال البلدية لم يتم إصلاح الشارع بل ظل مكسرا، وهنا تبدأ المشاكل التي
نسميها سوء مصنعية...
نشر - بتاريخ - سبتمبر - 1998 - مجلة الرأي - عدد 20