في ظل ازدياد ملوحة المياه: المواطنون يتجهون لاستعمال المياه المفلترة أوالمنقية

تحقيق: محمد توفيق أحمد كريزم 


في ظل ازدياد ملوحة المياه: المواطنون يتجهون لاستعمال المياه المفلترة أوالمنقية


تحقيق: محمد توفيق أحمد كريزم     في ظل ازدياد ملوحة المياه: المواطنون يتجهون لاستعمال المياه المفلترة أوالمنقية        بعد أن ازدادت مشكلة مياه الشرب في قطاع غزة سوءاً، وباتت غير صالحة للاستعمال الآدمي أو حتى للزراعة، انتشرت في الآونة الأخيرة محطات تنقية أو تحلية المياه في قطاع غزة، وأصبحت مياه الشرب تباع في الشوارع التي إستقطبت المواطنين بسرعة كبيرة و زاد طلبهم عليها بسبب فقدان الثقةبالمياه المقدمة اليهم من شبكات المياه البلدية، إلى حد أضحى في كل منزل تقريباً برميل متوسط أو كبير الحجم لتعبئته بالمياه المنقية من خلال خدمة التوصيل للمنازل التي ساعدت على انتشار توزيع المياه المنقية بشكل كبير.  لكن ما يثير المخاوف حقيقة تلك المياه المفلترة في المنازل التي يكاد يجمع الخبراء على عدم صحتها لجسم الإنسان بسبب خلوها من الأملاح والعناصر الأساسية اللازمة لها.  هذا التحقيق يستعرض أهم مشكلات مياه الشرب في قطاع غزة بشكل عام وتعرضها للتلوث، وتسليط الضوء على المياه المفلترة ومعرفة مدى سلامتها أو صحتها ومقارنتها بالمياه المنقية التي تنتج بكميات كبيرة.  مياه منزوعة الأملاح  المهندسة ناهد أبو دية من مجموعة الهيدروجيين أوضحت أن مياه قطاع غزة غير مطابقة للمواصفات والمعايير الدولية، مشيرة إلى أن المعيار الأساسي لمياه الشرب هو عدم تجاوزه الحد الأقصى المسموح به حسب مواصفات منظمة الصحة العالمية، فمثلاً عنصر الكلورايد يجب ألا يزيد عن 250ملم، والنترات غير مسموح بزيادتها عن 45ملم، مبينة أن الحديث عن المياه المفلترة ليس كما المياه العادية التي تزيد فيها نسبة الأملاح بشكل كبير، فهي منزوعة الأملاح، ونسبة عنصرالفلورايد الذي له أهمية كبيرة في بناء عظام وأسنان الإنسان يكاد يكون مختفياً مع العلم أن نسبته يجب ألا تقل عن نصف مليجرام للتر الواحد.  وربطت أبو دية ما بين نقص العناصر الأساسية في المياه والأمراض التي تنتشر في الوقت الحالي والمتوقع زيادة إنتشارها في المستقبل بسبب إعتماد المواطنين على المياه المفلترة المنزوعة الأملاح في الشرب والطبخ، فالمياه التي لا تحتوي على الكالسيوم والماغنيسيوم تسبب مشاكل صحية لشاربها قد تؤدي إلى أمراض قلبية، وبدأت تظهر أعراض مرضية لدى الأطفال حديثي الولادة بسبب نقص عنصري الكالسيوم والماغنيسيوم، منوهة إلى أن الفلاتر الجديدة تكون لديها قدرة على تصفية جميع العناصر الأساسية مستغربة في نفس الوقت رفض المواطنين لمبدأ احتواء المياه أى أملاح لاعتقادهم أنها مضرة، وإنما العكس صحيح فالمياه الصالحة للشرب بحاجة لنسبة أملاح بشرط ألا تزيد عن الحد المسموح به حتى تكون صحية ويستفيد منها جسم الإنسان.  وأكدت أبو دية ضرورة إجراء المزيد من الفحوص والدراسات على المياه المفلترة وعلاقتها بالأمراض، كذلك دعت إلى إثارة التساؤلات حول مدى صحة وسلامة المياه التي تنتجها محطات التحلية، إلا أنها حبذت تناول مياه محطات التحلية عن المياه المفلترة في المنازل كونها تحتوي على بعض العناصر الصحية الأساسية للمياه، رغم عدم إضافتهم المواد الأخرى الناقصة الصوديوم والكلورين من أجل عملية التعقيم، منوهة إلى أن المواطنين يرفضون التعاطي مع المياه المكلورة وبالتالي محطات التحلية أصبحت في حيرة من أمرها.  وشددت أبو دية على ضرورة أن تضطلع الجهات المختصة بمسؤولياتها تجاه ضبط استيراد أجهزة الفلاتر وإدخال ما هو مطابق للمواصفات الدولية، ودعت إلى تشكيل لجنة مهمتها الرقابة على أجهزة الفلاتر المستوردة التي بلغ عددها في السنوات الأخيرة حوالي 20ألف جهاز فلتر مياه ، مؤكدةً أن نسبة كبيرة منها في مدينة غزة كونها تفتقر إلى المياه الحلوة، مشيرة إلى أن مياه بيت حانون وبيت لاهيا بحاجة لأجهزة فلاتر تزيل النترات فقط كونها تتميز بمياه عذبة خالية من الأملاح، أما مياه مدينة غزة فهي تحتاج فلاتر تعمل بطاقة 50% من التصفية.  وأكدت أبو دية على أهمية إخضاع كافة محطات تحلية المياه للرقابة والتفتيش والإشراف المستمر والتأكد من مدى إلتزامها بالمعايير والمقاييس المطلوبة حيث لم تأخذ بها معظم المحطات التي تسحب كميات هائلة من مياه الخزان الجوفي مشيرة في نفس الوقت إلى أن الإتجاه نحو تحلية مياه البحر قد يكون مجدياً أكثر رغم تكلفته الباهظة، إلا أنه يحافظ على مياه الخزان الجوفي.  مراقبة محطات التنقية  المهندس حسن الصردي من سلطة المياه والخبير في جودة المياه قال إن المياه الصالحة للشرب هي التي تتمتع بالمواصفات والمعايير التي أقرتها منظمة الصحة العالمية باعتبارها سائلا مغذيا لجسم الإنسان، وعليه تشجع سلطة المياه، القطاع الخاص على إقامة المزيد من محطات تنقية المياه التي بلغ عددها 20محطة مرخصة و20 أخرى تحت الترخيص في محافظات غزة، على اعتبار أنها توفر القدر اللازم من العناصر الأساسية في المياه وتباع بأسعار معقولة، منوهاً إلى أن مياه التنقية المنتجة في المحطات المرخصة والقانونية هي أكثر أمانا من أي مصدر مائي أخر كونها تخضع للمراقبة من قبل وزارة الصحة التي تأخذ عينات مخبرية من المياه لفحصها باستمرار.  واشار الصردي إلى أن سلطة المياه تراقب محطات تنقية المياه، ومن تثبت عدم قانونيتها يتم إغلاقها حتى تستكمل إجراءات الترخيص المناسبة، وتتعهد بالتقيد بالشروط والمواصفات المتبعة من حيث نوعية المياه ومكان إستخراجها، والنقل والتفريغ حتى تصل إلى المواطنين بسلامة تامة، مشدداً في نفس الوقت على أن الترخيص تتجدد سنوياً بنفس الشروط، وفي حال تبين أن هناك خللاً أو عدم استيفاء الشروط لا يتم تجديد الرخصة.  وخفف الصردي من المخاوف بشأن المياه المفلترة في حال أحسن استعمال أجهزة الفلاتر في المنازل وتمت صيانتها بشكل مستمر، مشيراً إلى أن لها عمراً إفتراضياً تقل طاقتها الإنتاجية وبالتالي يجب تغييرها، ذلك أن نوعية المياه المستخدمة في الفلتر تلعب دوراً كبيراً في هذا السياق، فالمياه التي تزيد فيها نسبة الملوحة تؤدي إلى عطل جهاز الفلتر بسرعة بسبب الأملاح المتراكمة، لذا مطلوب توريد أجهزة فلاتر بمواصفات لها علاقة بنوعية المياه في قطاع غزة، وعلى الجهات المختصة بهذا المضمار الاضطلاع بمسؤولياتها مثل الغرفة التجارية ووزارة الإقتصاد، موضحاً أن سلطة المياه هنا ليست جهة تنفيذية.  ونوه الصردي إلى أنه في حال كان هناك اتجاه نحو تحلية مياه البحر فإن هذا لا يعني بتاتاً بديلاً عن الحقوق المائية الفلسطينية بأي حال من الأحوال، إنما يندرج ذلك ضمن الإجراءات التخفيفية، وتوفير الحد الأدنى من المياه الصالحة للشرب، مع الأخذ بعين الاعتبار أن قدرة الخزان المائي الجوفي على العطاء محدودة في إطار الزمان والمكان الذي نعيشه بسبب الظروف السياسية والطبيعية.  تلوث المياه  من جهته أوضح المهندس خميس المحلاوي الخبير في شؤون البيئة أن المصدر الأساسي الذي يعتمد عليه القطاع في إمداده بالمياه هو خزان المياه الجوفية الذي يتغير من منطقة إلى أخرى من حيث العمق والسمك والنوعية ، حيث يصل أقصى سمك له إلى ما يقارب من 160 مترا في المناطق الشمالية الغربية من القطاع القريبة من البحر ويقل هذا السمك تدريجيا شرقا ليصل إلى اقل من 70 مترا في المناطق الجنوبية من القطاع، و يصل الجزء المشبع بالمياه إلى أقصى سمك بالقرب من الشريط الساحلي إلى حوالي 100 متر ، أما في المنطقة الجنوبية الشرقية فسمك الجزء المشبع من الخزان لا يتجاوز 10 أمتار.  وأشار المحلاوي إلى أن التلوث الذي يسببه التدخل الإنساني يغير من طبيعة المياه ويجعلها غير صالحة للاستخدام البشري و للكائنات الحية الأخرى معرفاً تلوث الماء بأنه كل تغير في الصفات الطبيعية أو الكيميائية أو البيولوجية للماء، يجعله مصدرا حقيقيا ، أو محتملا للمضايقة ؛ أو للإضرار بالاستعمالات المشروعة للمياه وذلك عن طريق إضافة مواد غريبة تسبب تعكير الماء ، أو تكسبه رائحة أو لونا أو طعما مستدركاً في نفس الوقت أن تلوث الماء هو مفهوم نسبي إذ تتوقف مدى خطورة أو تلوث الماء- وفقا للمستويات المختلفة من حالة إلى أخرى-على نوعية الاستعمالات المقصودة أو الغرض من الاستعمال.  وعزا المحلاوي مشاكل المياه في قطاع غزة إلى عدة أسباب منها كمية وأخرى نوعية، فالمشكلة الكمية نشأت نتيجة لازدياد الطلب على المياه وذلك بعد ازدياد الكثافة السكانية في القطاع زيادة غير مخطط لها. فبالنسبة للكمية التي يتم ضخها للأغراض المختلفة تقدر بحوالي 142-170مليون متر مكعب موزعة كما يلي: 47 مليون متر مكعب للشرب و الصناعة ، 80-100 مليون متر مكعب للزراعة، وبالمقارنة مع كميات المياه المغذية للخزان الجوفي سنويا والتي تقدر بحوالي 100 مليون متر مكعب، يلاحظ أن هناك عجزا سنويا بمقدار 42-70 مليون متر مكعب. هذا العجز أدى إلى تناقص حصة الفرد من المياه إذ يلاحظ أن معدل استهلاك الفرد لا يتجاوز 100 لتر/يوم في محافظتي غزة والشمال بينما يتناقص هذا المعدل إلى 60لتر/يوم في المحافظات الوسطى والجنوبية من القطاع.  وبما أن السكان في زيادة مطردة فإن الطلب على المياه و انتاج المياه العادمة والملوثات عموما في زيادة مطردة كذلك، لذلك نجد أن معظم مناطق القطاع تعاني من شح في المياه وتلوث بعض آبارها و ذلك لعدم توافر مصادر مياه تكفي جميع السكان و لكافة الأغراض، حيث أن مصدر المياه الرئيسي في القطاع هو المياه الجوفية التي تعاني في الوقت الحالي من نقص في معدلات التغذية للخزان الجوفي بالنسبة إلى معدل استهلاك المياه في القطاع.  وفيما يتعلق بالمشاكل النوعية للمياه أوضح المحلاوي أنها تنقسم إلى ملوثات طبيعية وكيميائية وبيولوجية، فالملوثات الطبيعية هي تلك الملوثات النابعة من مكونات البيئة نفسها وتعتمد عليها ، كتدفق المياه الجارية والأمطار الملوثة، أما الملوثات الكيميائية للبيئة المائية فلا يقل خطرا عن أية ملوثات أخرى ،وقد تحدث من مصادر صناعية أو زراعية أو غير ذلك سواء أكانت نتيجة للنشاط المتصل بالحياة والإنتاج أم نتيجة استعمال طرق غير عملية في عمليات الإنتاج، ومن أمثلة التلوث الكيميائي في قطاع غزة ملوحة المياه، وهنا يبرز دور مشكلة الكمية وأثرها على ملوحة المياه، إذ يعتبر الضخ الجائر للمياه من الخزان الجوفي هو السبب الأساسي في عملية تمليح المياه إذ أن معدلات السحب تفوق معدلات التغذية كنتيجة مباشرة للكثافة السكانية العالية في القطاع ، مما أدى إلى تداخل مياه البحر مع مياه الخزان الجوفي وذلك لهبوط منسوب المياه الجوفية تحت مستوى سطح البحر في بعض المناطق، إضافة إلى صعود المياه المالحة من خزانات جوفية اعمق إلى أعلى بسبب انخفاض ضغط المياه الجوفية العذبة قي الخزان الجوفي العلوي على الخزان الجوفي السفلي الأكثر ملوحة، منوهاً إلى أنه عدا المنطقتين الشمالية والجنوبية القريبة من مدينة غزة فان جميع المناطق الأخرى في القطاع تعاني من مشكلة ملوحة المياه وخاصة المناطق الوسطى والجنوبية الشرقية من القطاع إذ يزيد تركيز عنصر الكلوريد عن 1000ملجم /لتر في بعض آبار المياه في تلك المناطق، هذا إلى جانب زيادة تركيز معظم العناصر الأخرى الموجودة في المياه ، وبالتالي فان هذه المياه لا تصلح للشرب بناء على زيادة تركيز جميع العناصر عن الحد الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية في معاييرها الاسترشادية.  واعتبر المحلاوي أن ارتفاع تركيز عنصر النترات في مياه الخزان من أهم معالم تلوث المياه في القطاع حيث يصل تركيز هذا العنصر إلى اكثر من 200 ملجم/لتر في معظم أبار مياه الشرب وهذا يفوق تلك النسبة الموصي عليها من قبل منظمة الصحة العالمية ( 45 ملجم /لتر) . ويعزى وجود هذه المشكلة -كما يقول- إلى لعديد من الأسباب أهمها الاستخدام المفرط للمخصبات الزراعية وخاصة النيتروجينية منها وكذلك المبيدات الحشرية في الأراضي الزراعية،وعملية الرشح الناتجة عن أماكن تجميع النفايات الصلبة منها والسائلة بالإضافة لتسرب مياه الصرف الصحي للخزان الجوفي نتيجة لعدم تواجد شبكات الصرف الصحي في العديد من مناطق قطاع غزة حيث أن الاعتماد كليا على الحفر الامتصاصية في عملية التخلص من المياه العادمة في تلك المناطق ، وكذلك قلة كفاءة الشبكات المتواجدة في المناطق الأخرى.


بعد أن ازدادت مشكلة مياه الشرب في قطاع غزة سوءاً، وباتت غير صالحة للاستعمال الآدمي أو حتى للزراعة، انتشرت في الآونة الأخيرة محطات تنقية أو تحلية المياه في قطاع غزة، وأصبحت مياه الشرب تباع في الشوارع التي إستقطبت المواطنين بسرعة كبيرة و زاد طلبهم عليها بسبب فقدان الثقةبالمياه المقدمة اليهم من شبكات المياه البلدية، إلى حد أضحى في كل منزل تقريباً برميل متوسط أو كبير الحجم لتعبئته بالمياه المنقية من خلال خدمة التوصيل للمنازل التي ساعدت على انتشار توزيع المياه المنقية بشكل كبير.

لكن ما يثير المخاوف حقيقة تلك المياه المفلترة في المنازل التي يكاد يجمع الخبراء على عدم صحتها لجسم الإنسان بسبب خلوها من الأملاح والعناصر الأساسية اللازمة لها.

هذا التحقيق يستعرض أهم مشكلات مياه الشرب في قطاع غزة بشكل عام وتعرضها للتلوث، وتسليط الضوء على المياه المفلترة ومعرفة مدى سلامتها أو صحتها ومقارنتها بالمياه المنقية التي تنتج بكميات كبيرة.

مياه منزوعة الأملاح

المهندسة ناهد أبو دية من مجموعة الهيدروجيين أوضحت أن مياه قطاع غزة غير مطابقة للمواصفات والمعايير الدولية، مشيرة إلى أن المعيار الأساسي لمياه الشرب هو عدم تجاوزه الحد الأقصى المسموح به حسب مواصفات منظمة الصحة العالمية، فمثلاً عنصر الكلورايد يجب ألا يزيد عن 250ملم، والنترات غير مسموح بزيادتها عن 45ملم، مبينة أن الحديث عن المياه المفلترة ليس كما المياه العادية التي تزيد فيها نسبة الأملاح بشكل كبير، فهي منزوعة الأملاح، ونسبة عنصرالفلورايد الذي له أهمية كبيرة في بناء عظام وأسنان الإنسان يكاد يكون مختفياً مع العلم أن نسبته يجب ألا تقل عن نصف مليجرام للتر الواحد.

وربطت أبو دية ما بين نقص العناصر الأساسية في المياه والأمراض التي تنتشر في الوقت الحالي والمتوقع زيادة إنتشارها في المستقبل بسبب إعتماد المواطنين على المياه المفلترة المنزوعة الأملاح في الشرب والطبخ، فالمياه التي لا تحتوي على الكالسيوم والماغنيسيوم تسبب مشاكل صحية لشاربها قد تؤدي إلى أمراض قلبية، وبدأت تظهر أعراض مرضية لدى الأطفال حديثي الولادة بسبب نقص عنصري الكالسيوم والماغنيسيوم، منوهة إلى أن الفلاتر الجديدة تكون لديها قدرة على تصفية جميع العناصر الأساسية مستغربة في نفس الوقت رفض المواطنين لمبدأ احتواء المياه أى أملاح لاعتقادهم أنها مضرة، وإنما العكس صحيح فالمياه الصالحة للشرب بحاجة لنسبة أملاح بشرط ألا تزيد عن الحد المسموح به حتى تكون صحية ويستفيد منها جسم الإنسان.

وأكدت أبو دية ضرورة إجراء المزيد من الفحوص والدراسات على المياه المفلترة وعلاقتها بالأمراض، كذلك دعت إلى إثارة التساؤلات حول مدى صحة وسلامة المياه التي تنتجها محطات التحلية، إلا أنها حبذت تناول مياه محطات التحلية عن المياه المفلترة في المنازل كونها تحتوي على بعض العناصر الصحية الأساسية للمياه، رغم عدم إضافتهم المواد الأخرى الناقصة الصوديوم والكلورين من أجل عملية التعقيم، منوهة إلى أن المواطنين يرفضون التعاطي مع المياه المكلورة وبالتالي محطات التحلية أصبحت في حيرة من أمرها.

وشددت أبو دية على ضرورة أن تضطلع الجهات المختصة بمسؤولياتها تجاه ضبط استيراد أجهزة الفلاتر وإدخال ما هو مطابق للمواصفات الدولية، ودعت إلى تشكيل لجنة مهمتها الرقابة على أجهزة الفلاتر المستوردة التي بلغ عددها في السنوات الأخيرة حوالي 20ألف جهاز فلتر مياه ، مؤكدةً أن نسبة كبيرة منها في مدينة غزة كونها تفتقر إلى المياه الحلوة، مشيرة إلى أن مياه بيت حانون وبيت لاهيا بحاجة لأجهزة فلاتر تزيل النترات فقط كونها تتميز بمياه عذبة خالية من الأملاح، أما مياه مدينة غزة فهي تحتاج فلاتر تعمل بطاقة 50% من التصفية.

وأكدت أبو دية على أهمية إخضاع كافة محطات تحلية المياه للرقابة والتفتيش والإشراف المستمر والتأكد من مدى إلتزامها بالمعايير والمقاييس المطلوبة حيث لم تأخذ بها معظم المحطات التي تسحب كميات هائلة من مياه الخزان الجوفي مشيرة في نفس الوقت إلى أن الإتجاه نحو تحلية مياه البحر قد يكون مجدياً أكثر رغم تكلفته الباهظة، إلا أنه يحافظ على مياه الخزان الجوفي.

مراقبة محطات التنقية

المهندس حسن الصردي من سلطة المياه والخبير في جودة المياه قال إن المياه الصالحة للشرب هي التي تتمتع بالمواصفات والمعايير التي أقرتها منظمة الصحة العالمية باعتبارها سائلا مغذيا لجسم الإنسان، وعليه تشجع سلطة المياه، القطاع الخاص على إقامة المزيد من محطات تنقية المياه التي بلغ عددها 20محطة مرخصة و20 أخرى تحت الترخيص في محافظات غزة، على اعتبار أنها توفر القدر اللازم من العناصر الأساسية في المياه وتباع بأسعار معقولة، منوهاً إلى أن مياه التنقية المنتجة في المحطات المرخصة والقانونية هي أكثر أمانا من أي مصدر مائي أخر كونها تخضع للمراقبة من قبل وزارة الصحة التي تأخذ عينات مخبرية من المياه لفحصها باستمرار.

واشار الصردي إلى أن سلطة المياه تراقب محطات تنقية المياه، ومن تثبت عدم قانونيتها يتم إغلاقها حتى تستكمل إجراءات الترخيص المناسبة، وتتعهد بالتقيد بالشروط والمواصفات المتبعة من حيث نوعية المياه ومكان إستخراجها، والنقل والتفريغ حتى تصل إلى المواطنين بسلامة تامة، مشدداً في نفس الوقت على أن الترخيص تتجدد سنوياً بنفس الشروط، وفي حال تبين أن هناك خللاً أو عدم استيفاء الشروط لا يتم تجديد الرخصة.

وخفف الصردي من المخاوف بشأن المياه المفلترة في حال أحسن استعمال أجهزة الفلاتر في المنازل وتمت صيانتها بشكل مستمر، مشيراً إلى أن لها عمراً إفتراضياً تقل طاقتها الإنتاجية وبالتالي يجب تغييرها، ذلك أن نوعية المياه المستخدمة في الفلتر تلعب دوراً كبيراً في هذا السياق، فالمياه التي تزيد فيها نسبة الملوحة تؤدي إلى عطل جهاز الفلتر بسرعة بسبب الأملاح المتراكمة، لذا مطلوب توريد أجهزة فلاتر بمواصفات لها علاقة بنوعية المياه في قطاع غزة، وعلى الجهات المختصة بهذا المضمار الاضطلاع بمسؤولياتها مثل الغرفة التجارية ووزارة الإقتصاد، موضحاً أن سلطة المياه هنا ليست جهة تنفيذية.

ونوه الصردي إلى أنه في حال كان هناك اتجاه نحو تحلية مياه البحر فإن هذا لا يعني بتاتاً بديلاً عن الحقوق المائية الفلسطينية بأي حال من الأحوال، إنما يندرج ذلك ضمن الإجراءات التخفيفية، وتوفير الحد الأدنى من المياه الصالحة للشرب، مع الأخذ بعين الاعتبار أن قدرة الخزان المائي الجوفي على العطاء محدودة في إطار الزمان والمكان الذي نعيشه بسبب الظروف السياسية والطبيعية.

تلوث المياه

من جهته أوضح المهندس خميس المحلاوي الخبير في شؤون البيئة أن المصدر الأساسي الذي يعتمد عليه القطاع في إمداده بالمياه هو خزان المياه الجوفية الذي يتغير من منطقة إلى أخرى من حيث العمق والسمك والنوعية ، حيث يصل أقصى سمك له إلى ما يقارب من 160 مترا في المناطق الشمالية الغربية من القطاع القريبة من البحر ويقل هذا السمك تدريجيا شرقا ليصل إلى اقل من 70 مترا في المناطق الجنوبية من القطاع، و يصل الجزء المشبع بالمياه إلى أقصى سمك بالقرب من الشريط الساحلي إلى حوالي 100 متر ، أما في المنطقة الجنوبية الشرقية فسمك الجزء المشبع من الخزان لا يتجاوز 10 أمتار.

وأشار المحلاوي إلى أن التلوث الذي يسببه التدخل الإنساني يغير من طبيعة المياه ويجعلها غير صالحة للاستخدام البشري و للكائنات الحية الأخرى معرفاً تلوث الماء بأنه كل تغير في الصفات الطبيعية أو الكيميائية أو البيولوجية للماء، يجعله مصدرا حقيقيا ، أو محتملا للمضايقة ؛ أو للإضرار بالاستعمالات المشروعة للمياه وذلك عن طريق إضافة مواد غريبة تسبب تعكير الماء ، أو تكسبه رائحة أو لونا أو طعما مستدركاً في نفس الوقت أن تلوث الماء هو مفهوم نسبي إذ تتوقف مدى خطورة أو تلوث الماء- وفقا للمستويات المختلفة من حالة إلى أخرى-على نوعية الاستعمالات المقصودة أو الغرض من الاستعمال.

وعزا المحلاوي مشاكل المياه في قطاع غزة إلى عدة أسباب منها كمية وأخرى نوعية، فالمشكلة الكمية نشأت نتيجة لازدياد الطلب على المياه وذلك بعد ازدياد الكثافة السكانية في القطاع زيادة غير مخطط لها. فبالنسبة للكمية التي يتم ضخها للأغراض المختلفة تقدر بحوالي 142-170مليون متر مكعب موزعة كما يلي: 47 مليون متر مكعب للشرب و الصناعة ، 80-100 مليون متر مكعب للزراعة، وبالمقارنة مع كميات المياه المغذية للخزان الجوفي سنويا والتي تقدر بحوالي 100 مليون متر مكعب، يلاحظ أن هناك عجزا سنويا بمقدار 42-70 مليون متر مكعب. هذا العجز أدى إلى تناقص حصة الفرد من المياه إذ يلاحظ أن معدل استهلاك الفرد لا يتجاوز 100 لتر/يوم في محافظتي غزة والشمال بينما يتناقص هذا المعدل إلى 60لتر/يوم في المحافظات الوسطى والجنوبية من القطاع.

وبما أن السكان في زيادة مطردة فإن الطلب على المياه و انتاج المياه العادمة والملوثات عموما في زيادة مطردة كذلك، لذلك نجد أن معظم مناطق القطاع تعاني من شح في المياه وتلوث بعض آبارها و ذلك لعدم توافر مصادر مياه تكفي جميع السكان و لكافة الأغراض، حيث أن مصدر المياه الرئيسي في القطاع هو المياه الجوفية التي تعاني في الوقت الحالي من نقص في معدلات التغذية للخزان الجوفي بالنسبة إلى معدل استهلاك المياه في القطاع.

وفيما يتعلق بالمشاكل النوعية للمياه أوضح المحلاوي أنها تنقسم إلى ملوثات طبيعية وكيميائية وبيولوجية، فالملوثات الطبيعية هي تلك الملوثات النابعة من مكونات البيئة نفسها وتعتمد عليها ، كتدفق المياه الجارية والأمطار الملوثة، أما الملوثات الكيميائية للبيئة المائية فلا يقل خطرا عن أية ملوثات أخرى ،وقد تحدث من مصادر صناعية أو زراعية أو غير ذلك سواء أكانت نتيجة للنشاط المتصل بالحياة والإنتاج أم نتيجة استعمال طرق غير عملية في عمليات الإنتاج، ومن أمثلة التلوث الكيميائي في قطاع غزة ملوحة المياه، وهنا يبرز دور مشكلة الكمية وأثرها على ملوحة المياه، إذ يعتبر الضخ الجائر للمياه من الخزان الجوفي هو السبب الأساسي في عملية تمليح المياه إذ أن معدلات السحب تفوق معدلات التغذية كنتيجة مباشرة للكثافة السكانية العالية في القطاع ، مما أدى إلى تداخل مياه البحر مع مياه الخزان الجوفي وذلك لهبوط منسوب المياه الجوفية تحت مستوى سطح البحر في بعض المناطق، إضافة إلى صعود المياه المالحة من خزانات جوفية اعمق إلى أعلى بسبب انخفاض ضغط المياه الجوفية العذبة قي الخزان الجوفي العلوي على الخزان الجوفي السفلي الأكثر ملوحة، منوهاً إلى أنه عدا المنطقتين الشمالية والجنوبية القريبة من مدينة غزة فان جميع المناطق الأخرى في القطاع تعاني من مشكلة ملوحة المياه وخاصة المناطق الوسطى والجنوبية الشرقية من القطاع إذ يزيد تركيز عنصر الكلوريد عن 1000ملجم /لتر في بعض آبار المياه في تلك المناطق، هذا إلى جانب زيادة تركيز معظم العناصر الأخرى الموجودة في المياه ، وبالتالي فان هذه المياه لا تصلح للشرب بناء على زيادة تركيز جميع العناصر عن الحد الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية في معاييرها الاسترشادية.

واعتبر المحلاوي أن ارتفاع تركيز عنصر النترات في مياه الخزان من أهم معالم تلوث المياه في القطاع حيث يصل تركيز هذا العنصر إلى اكثر من 200 ملجم/لتر في معظم أبار مياه الشرب وهذا يفوق تلك النسبة الموصي عليها من قبل منظمة الصحة العالمية ( 45 ملجم /لتر) . ويعزى وجود هذه المشكلة -كما يقول- إلى لعديد من الأسباب أهمها الاستخدام المفرط للمخصبات الزراعية وخاصة النيتروجينية منها وكذلك المبيدات الحشرية في الأراضي الزراعية،وعملية الرشح الناتجة عن أماكن تجميع النفايات الصلبة منها والسائلة بالإضافة لتسرب مياه الصرف الصحي للخزان الجوفي نتيجة لعدم تواجد شبكات الصرف الصحي في العديد من مناطق قطاع غزة حيث أن الاعتماد كليا على الحفر الامتصاصية في عملية التخلص من المياه العادمة في تلك المناطق ، وكذلك قلة كفاءة الشبكات المتواجدة في المناطق الأخرى.

الإعلامي محمد توفيق أحمد كريزم
بواسطة : الإعلامي محمد توفيق أحمد كريزم
رئيس تحرير ومدير عام وكالة أخبار المرأة www.wonews.net
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-