تحقيق: محمد توفيق أحمد کریزم
الأمن الغذائي وإمكانيات تحقيقه
الأمن الغذائي جزء من الأمن القومي الشامل
تغير مفهوم الأمن الغذائي، ليأخذ أبعادا اجتماعية واقتصادية وسياسية بل وأخلاقية أيضا وأصبح مفهومه الحديث يرتبط بتوفير الغذاء بالكم والنوع والتكلفة وإلى جميع فئات المجتمع على مختلف مستويات دخلهم، وخاصة بتكلفة تتناسب مع المواطنين من ذوي الدخل المحدود أو الفقراء.
وعند الحديث عن واقع الأمن الغذائي في فلسطين، فإن الأمر يختلف عن أي واقع آخر فتراكمات الاحتلال وسياساته جعلت من الصعوبة بمكان تحقيق الأمن الغذائي خلال الفترة الماضية من عمر سلطتنا الوطنية، وبات من الضروري وضع استراتيجية طويلة المدى تلبي المصالح الوطنية وتضمن تحقيق الأمن الغذائي في فلسطين في المستقبل القريب.
في هذا التحقيق
نسلط الضوء على واقع الأمن الغذائي في فلسطين ومستقبله على ضوء الأوضاع الراهنة.
محددات الأمن الغذائي
يقول الدكتور صبحي القاسم الخبير في استراتيجيات البحوث الزراعية
والأمن الغذائي والتنمية الزراعية إن مفهوم الأمن الغذائي الحديث ينطوي على حالة
نسبية من مقدرة الدولة على تأمين الغذاء لسكانها بمواصفات تحدد الكم والنوع
والتوزيع لجميع فئات
العمر والجنس
والحالة الاجتماعية والاقتصادية، وهذا المفهوم لا يعني بأي حال مقدرة الدولة على
تامين كل ما يحتاجه السكان من مواد غذائية من مواردها الزراعية الذاتية.
وأضاف إن درجة
الأمن الغذائي تعتمد على محددات أساسية وهي:
أولا: إنتاج أكبر
قدر من المواد الغذائية الأساسية التي يحتاجها السكان كما
ونوعا من مواردها الذاتية أو من موارد بلد أو بلدان متعاونة معها.
ثانيا: إنتاج أكبر
قدر من المواد الغذائية وفق أسس الفائدة النسبية والجدوى الاقتصادية التي تلبي
الاحتياجات داخل البلد وخارجه.
ثالثا: تمكين السكان
من الحصول على الغذاء بالكم
والنوع المناسبين للأطفال والرجال والنساء من جميع الطبقات الاجتماعية والاقتصادية
وفي كل الأوقات، بحيث يضمن هذا الغذاء حياة مفعمة بالنشاط والحيوية المقبولة.
رابعا: تحقيق أكبر
نسبة مئوية من الميزان التجاري الغذائي الوطني وفق أسس تجارية مستقرة وعادلة تضمن مصلحة جميع الأطراف المعنية.
خامسا: توفير
احتياطي مخزون من المواد الغذائية الأساسية يكفي الطلبات السكان من الغذاء الأطول
مدة ممكنة، لا تقل عن ستة شهور.
سادسا: توافر قوة تفاوضية ذاتية أو من خلال الانتماء لعضوية تحالف إقليمي أو غير
إقليمي يضمن تأمين الغذاء وتبادله بشروط عادلة، ومناسبة اقتصادية وسياسية.
وأوضح القاسم أن ركائز الأمن الغذائي تتمثل بالآتي:
* الأراضي الزراعية القابلة للاستعمال سنوية لزراعتها بالأشجار المثمرة أو
المحاصيل الموسمية.
* الأراضي التي يمكن استصلاحها واستعمالها للزراعة سواء تحت المطر أو
بواسطة الري الدائم أو الري التكميلي.
* المياه الصالحة للري من جميع المصادر التي تشمل الأمطار والمياه السطحية
والجوفية، أو التي تمت تحليتها أو تنقيتها لإعادة استخدامها.
* المراعي الدائمة التي يمكن استعمالها
للرعي الدائم أو الرعي المنظم.
* الغابات التي يمكن استعمالها
الإنتاج الأخشاب أو كمصدر للطاقة.
* إعداد الحيوانات التي يمكن استعمال منتجاتها للغذاء أو الكساء. و الحياة
البرية النباتية والحيوانية التي يمكن استعمالها مباشرة للغذاء أو كاصول في تحسين
المحاصيل الزراعية أو الأغراض الأخرى.
*الثروة البحرية والمائية داخل الحدود السياسية أو في الشواطئ الإقليمية
التي تقع تحت سيطرة الدولة وفق الاتفاقيات الدولية.
وأوضح القاسم أن هذه الموارد بمجموعها تشكل الركائز الرئيسية للأمن الغذائي
مثل مدى توافر رأس المال والطاقة لتنمية الموارد الطبيعية، وكذلك نوعية السياسات
الزراعية التي تحكم نظام الإنتاج الزراعي والغذائي ومدخلاته المتعددة، والمؤسسات
التي يتم إنشاؤها في القطاعين العام والخاص لتنظيم
الإنتاج من جميع جوانبه أو لزيادة كفاءته أو المحافظة على عناصره الطبيعية من التدهور
أو الزوال، إضافة للقوى البشرية العاملة في نشاطات الإنتاج الزراعي.
وأشار القاسم
إلى أنه إذا كانت الموارد الطبيعية الزراعية تشكل مع الركائز الأخرى أحد طرفي
معادلة الأمن الغذائي من حيث الإنتاج الغذائي والزراعي فإن السكان الذين يستهلكون
الإنتاج يشكلون طرف المعادلة الأخرى.
تجارب الدول
ويرى الدكتور
يوسف البحيصي أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة أن الأمن الغذائي بصورة عامة هو
قدرة أي بلد على الإيفاء بحاجاته الأساسية خاصة المواد الغذائية، كما ونوعا، مشيرة
أن الاكتفاء الذاتي لن يتحقق حتى يتحقق الأمن الغذائي ليس في فلسطين بل في جميع
البلدان العربية، إلى حد أن بعض البلدان العربية التي كانت تصدر السلع وبكثرة،
أصبحت الآن تستورد هذه السلع لتلبي احتياجات أسواقها.
وعزا البحيصي
عدم تحقيق الأمن الغذائي في فلسطين للظروف السياسية والاقتصادية التي يعيشها الشعب
الفلسطيني لاسيما الاحتلال الإسرائيلي لمعظم الأراضي الفلسطينية.
فالاحتلال دمر كل شيء، وصادر معظم الأراضي
الزراعية لذلك فإن النظريات بهذا الخصوص لا يمكن تطبيقها في فلسطين، وأوضح البحيصي
أن بعض العادات والتقاليد الاجتماعية ونمط الحياة العامة التي يعيشها المجتمع
الفلسطيني لا تساعد في تحقيق الأمن الغذائي فهو مجتمع استهلاكي بدرجة كبيرة، وليس
مجتمعة إنتاجية، فأي مجتمع لا يستطيع أن يطعم نفسه لا يمكن له أن يتطور، بل أنه
يصبح رهينة لغيره.
وضرب البحيصي
مثالا على ذلك دولة أوروبية وهي هولندا لا يوجد لديها أراضي زراعية شاسعة بل إن معظم
أراضيها اقتطعت من البحر، وفقيرة في الموارد الطبيعية ولكنها أصبحت في مقدمة الدول المصدرة للمواد الغذائية وحذر البحيصي من
التأثيرات الدولية على الاقتصاد الوطني، باعتبار أن فلسطين ما زالت بحاجة لدعم
الدول المانحة والمؤسسات الدولية، مشيرة إلى أن بعض هذه المؤسسات تعتبر حجر عثرة
أمام تحقيق الأمن الغذائي في معظم دول العالم الثالث، فهي تحدد للدول النامية ماذا
تزرع؟ وماذا لا تزرع؟ ماذا تنتج؟ وماذا لا تنتج؟ وهي تهدف من وراء هذه السياسة إلى
الهيمنة على اقتصاديات هذه الدول وأوضح البحيصي أن فلسطين تستطيع تحقيق الأمن
الغذائي خلال السنوات القادمة إذا بدأت من حيث انتهى الآخرون واستفادت من تجارب
الدول والشعوب بهذا المجال مثل هولندا والدانمارك ،إضافة إلى التركيز على زراعة
محاصيل معينة ذات فائدة، من خلال اتباع سياسة زراعية منهجية ترتكز على القواعد
العلمية.
صناعة غذائية
من جانبه قال الدكتور إبراهيم أبو لحية مدير عام مديرية الأغذية بوزارة
التموين والخبير في مجال تكنولوجيا الأغذية، إن الأمن الغذائي ضروري لأي دولة ترغب
في المحافظة على أمنها الاقتصادي أو مدخراتها من خلال توفير السلع الغذائية
اللازمة بالكم والنوعية وضمان تدفقها على مدار السنة ومنع حدوث أي نقص أو انقطاع
في أي سلعة من خلال توفير مخزون جيد تحت ظروف ملائمة.
وأضاف أبو لحية أن الوفرة الغذائية والسلامة والتكنولوجيا الغذائية كلها
تصب في خانة الأمن الغذائي، فيجب إن تخلو من الملوثات أو الشوائب التي تصل إلى
الأغذية بطرق مباشرة أو غير مباشرة كمبيدات الحشرات والحشائش والفطريات والمواد
الحافظة والملونة والملوثات الميكروبية التي تنتقل إلى الأغذية أيضا من خلال
الاتصال أو الملامسة أو وسائط أخرى فقط.
وأوضح أبو لحية
أن التصنيع الغذائي لم يسلم من آثار الاحتلال الإسرائيلي، فمعظم المصانع في فلسطين
تحصل على الخامات أو الموارد الأولية من الجانب الإسرائيلي أو من خلال وسطاء إسرائيليين، والأدهى من ذلك أن كثيرة من الوصفات أو
التركيبات ترسلها المعامل الإسرائيلية إلى المصانع الفلسطينية دون أن يعرف صاحب
المصنع أو الصانع محتواها، فما عليه إلا إضافتها أو خلطها مع الأغذية أثناء عملية
التصنيع، وشدد أبو لحية على ضرورة السعي لبناء صناعة غذائية وطنية حقيقية بكل معنی
الكلمة حتى يمكن أن نكفل الأمن الغذائي للمواطنين.
وهذا لا يتأتى إلا من خلال توظيف كل الطاقات أو
الإمكانيات المتاحة لتنمية وتطوير جميع الموارد الطبيعية والبشرية من زراعة وصناعة
وتجارة واستغلالها الاستغلال الأمثل بالتعاون مع الجهات الدولية التي ترغب في مد
يد العون للشعب الفلسطيني، إضافة إلى إيجاد خطة محكمة تستند على برامج وطنية طموحة لتوفير
المتطلبات الأساسية الإنتاج الغذاء محلية.
وأضاف أبو لحية
أن تأمين الاحتياجات الأساسية من السلع الغذائية يتطلب كذلك توفير طاقة تخزينية
تفي باحتياجات
السكان، فمثلا يجب توفير صوامع لتخزين الحبوب أو الغلال ومستودعات مبردة وثلاجات
كبيرة لتخزين اللحوم والأسماك والخضار والفواكه وغيرها.
وضرب أبو لحية
مثالا على ذلك الفاقد في الأغذية في دول العالم الثالث من الحصاد مرورا بالتخزين حتى الاستهلاك) ما بين 90-50 ٪ في حين يبلغ هذا الفاقد في الدول المتقدمة حوالي 10٪، فلو حسنت دول
العالم الثالث أو قللت الفاقد في الأغذية إلى مستوى 30-40٪ فإنه سيكون لديها فائض غذائي كبير ،
مشيرة إلى أن الفاقد في الأغذية في فلسطين يصل إلى ما بین 30-30 ٪.
وأضاف أبو لحية إن مشكلة أخرى تواجه تحقيق الأمن الغذائي وهي الأغذية
الفاسدة أو الأغذية المنتهية الصلاحية، التي تصل إلى الأراضي الفلسطينية من
المصانع الإسرائيلية بطرق ملتوية، حيث تقوم بعض الشركات الإسرائيلية بتجميع
الأغذية المنتهية الصلاحية أو تلك التي أوشكت على الانتهاء أوغير القابلة
للاستهلاك في الكيان الإسرائيلي وإرسالها وتسويقها في فلسطين من خلال المستوطنات
الإسرائيلية المنتشرة في الأراضي الفلسطينية.
وأوضح أبو لحية أن ما تنفقه الأسرة الفلسطينية على الغذاء ما بین 35 -- 60٪
من الدخل تبع الحجم دخل الأسرة، في حيث تصل هذه النسبة في الدول المتقدمة إلى ما بين 12 - 18 ٪ وهذا يعكس أهمية
الغذاء بالنسبة للمواطن الفلسطيني وبالتالي متطلبات الأمن والسلامة الغذائية.
واقترح أبو لحية للوصول إلى تحقيق الأمن الغذائي في فلسطين ما يلي:
*التصنيع الغذائي واتباع أساليب الحفظ الحديثة.
* توفير المختبرات والمعامل للحكم
على سلامة وجودة الأغذية.
* وجود مراكز البحوث والأغذية ومراكز الإرشاد والوعي الغذائي التطوير
الأغذية.
* زيادة القدرة التخزينية للمواد الغذائية لمنع حدوث أي نقص في الأغذية.
* اتباع الأنظمة الحديثة في التعامل مع الأغذية والمحاصيل الزراعية لتقليل
الفاقد من الأغذية.
*ضمان سلامة الأغذية میکروبيولوجية وكيميائية وتغذوية للمحافظة على صحة
المواطنين.
* تنويع المصادر الطبيعية المتاحة المحلية وإيجاد البدائل قدر المستطاع.
* اتباع أسلوب
غذائي وتغذوي سليم للحد من الاستهلال الزائد أو غير الصحي.
* تطبيق
القوانين والتشريعات الغذائية المصرح بها للحفاظ على سلامة الأغذية.
* اتباع
المواصفات القياسية العالمية بالنسبة للأغذية.
ويقول المهندس
جبريل أبو علي مستشار وزارة الزراعة للتخطيط والسياسات : ترتبط السياسة الزراعية
ارتباطا وثيقا بالأمن الغذائي، وبلورة سياسة زراعية تتكيف وتستجيب لحاجات الأسواق
المحلية تتطلب الآتي:
*الاستغلال الأمثل للموارد الزراعية وبشكل خاص
الأرض والمياه بما يضمن استمراريتها والمحافظة على البيئة من أجل المساهمة الفاعلة
في تحقيق الأمن الغذائي في فلسطين.
*تنمية وتطوير الريف الفلسطيني من خلال تحقيق
التنمية الريفية المتكاملة والتي تشكل الزراعة العمود الفقري لها واعتماد مبدأ
المشاركة الشعبية ومراعاة التكامل والتنسيق مع المنظمات الأهلية وإدماج النوع في
التنمية.
* زيادة وتحسين
القدرة التنافسية للإنتاج الزراعي في الأسواق المحلية والأجنبية.
* تمكين القطاع الخاص من القيام بدوره بسهولة
ويسر في عملية التنمية الزراعية. لا تدعيم وتقوية البناء المؤسس والإطار
القانوني للزراعة وتنمية الموارد البشرية. لا تشجيع التعاون والتكامل الزراعي العربي
والإقليمي والمشاركة الفعالة في المنظمات والاتفاقيات الإقليمية والدولية ذات
العلاقة بالزراعة والغذاء.
وأكد أبو علي
على ضرورة تكامل السياسة الزراعية مع السياسات الاقتصادية | والاجتماعية وأن تأخذ
بعين الاعتبار تناسقها مع السياسات القطاعية الأخرى، والسعي بشكل حثيث لتخليص
الاقتصاد الفلسطيني من التبعية الإسرائيلية مع ضمان توفير البنية التحتية الأساسية
وتوفير البيئة المناسبة والإطار القانوني لاستنهاض الاقتصاد الفلسطيني.
وأضاف أبو علي
أن السياسة الزراعية الفلسطينية تم إعدادها من قبل وزارة الزراعة بالتنسيق والتعاون
مع المؤسسات الدولية التي لها علاقة بالقطاع الزراعي مثل منظمة التغذية والزراعة،
وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مشيرة إلى أنه انبثقت عن السياسة الزراعية التي
تمت بلورتها مؤخرة استراتيجيات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى للنهوض بالقطاع الزراعي
والعمل على زيادة الإنتاج وتحقيق أكبر قدر ممكن من الأمن الغذائي حسب الموارد
المتاحة بمختلف المجالات الحيوانية منها والنباتية والسمكية موضحا أن الإنتاج
النباتي لعام 1999 بلغ 960 ألف
طن والإنتاج الحيواني 170 الف طن
والإنتاج السمكي 3800 طن.
وأوضح أن فلسطين تنعم بمستوى عال من الأمن الغذائي،
فالغذاء متوفر للجميع وبأسعار مناسبة لكن لابد هنا من التمييز بين الأمن الغذائي
والاكتفاء الذاتي فالأول هو توفير ما تريد أما الاكتفاء الذاتي هو أن ننتج ما
نريد، مشيرة إلى أن السلطة الوطنية استطاعت تحقيق الأمن الغذائي رغم الظروف
والأوضاع التي تمر بها فلسطين والشعب الفلسطيني.
وأشار أبو على
إلى المشاكل التي تواجه القطاع الزراعي والأمن الغذائي وهي:
* ندرة الموارد الطبيعية وخاصة الأرض والمياه. *
سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الزراعية والمياه وتدمير الغابات والمزارع.
*عدم توظيف مطار غزة الدولي بشكل صحيح لتسويق
واستيراد المنتوجات الزراعية من و إلى فلسطين.
* ضعف البنية
التحتية مثل الطرق والمختبرات ومحطات التجارب ومراكز البحوث الزراعية. ضعف
الاستثمار في القطاع الزراعي
* انتشار ظاهرة
الجفاف.
المياه أصبح من
الواضح الآن أن الأمن الغذائي الفلسطيني والعربي يرتبط بصورة وثيقة أكثر من أي وقت
مضى، بمصادر المياه المتوافرة وضمان استمرار توافرها بالكم والنوع وكذلك بسياسات
تخصيصها للأغراض المختلفة وكفاءة استعمالها.
ومن هنا يمكن
القول ان موارد
المياه هي العنصر الأهم في تحديد مستوى الأمن الغذائي بل هي ركيزته الرئيسية.
وأوضح الدكتور
صبحي القاسم أن أفضل طريقة لتقويم أهمية مياه الأمطار ومساهمتها في الأمن الزراعي،
هي ربط أو تكامل موارد المياه مع الأرض الزراعية وهو تقويم يأخذ ثلاثة أبعاد هي:
*مساحة الأرض التي يمكن زراعتها بصورة مستقرة
ومباشرة في كل عام (مطريا) سواء كانت الزراعة بالمحاصيل الموسمية أو السنوية أو
الأشجار المثمرة.
*مساحة الأرض التي يمكن ريها جزئية أو بصورة
دائمة من موارد المياه الأخرى الجوفية منها والسطحية ومياه التحلية والتنقية.
*مقدار الإنتاج من مختلف السلع الغذائية
والزراعية ونسبة كفايته الإحتياجات السكان في البلاد، سواء تم استهلاكه مباشرة أو عن طريق التبادل التجاري.
من جهته أشار
الدكتور خيري الجمل مدير سلطة المياه في غزة إلى أن المياه في تناقص مستمر بسبب
قلة الأمطار وانخفاض نسبة المخزون الجوفي حيث انخفض مستوى الأمطار إلى ما دون
المعدل 342 ملم سنوية،
وتصل كمية استخراج المياه 130 مليون متر
مکعب استهلاك منزل، و80 مليون متر مكعب للزراعة وكذلك المستوطنات الإسرائيلية
تستهلك 10 مليون متر مكعب، في حين أن التغذية لا تتعدى 50 مليون متر مكعب.
المساحات الزراعية والإنتاج
إن النظرة
الاعتبارية إلى حجم الأراضي الزراعية لا تدل بالضرورة على ارتباط مستوى الأمن
الغذائي بكبر أو صغر حجم الرقعة الزراعية، حيث دلت الإحصاءات الزراعية الصادرة عن
وزارة الزراعة، أن مساحة الأراضي الزراعية حوالي 1٫834 ملیون دونم
منها 1,523 مليون دونم زراعة بعلية في محافظات الضفة و 67 ألف دونما زراعة بعلية
في محافظات غزة إضافة الى 127 الف دونم
زراعة مروية في محافظات الضفة الغربية و 127 الف دونم زراعة مروية في غزة.
وحسب تلك
الإحصاءات يلعب القطاع الزراعي دورا هاما في عملية الأمن الغذائي حيث يقوم بتوفير
ما نسبته 91٪ من الخضروات،
رغم قلة مساحة الأراضي الزراعية في فلسطين ( انظر جدول رقم 1).
واذا كانت
الأرض الزراعية هي إحدى ركائز الأمن الغذائي فلا يجب تحميل هذه الركيزة أكثر من
قيمتها | الحقيقية، فهناك نوعية الأرض ومستوى انتاجيتها التي تعتمد فيما تعتمد على
كميات الأمطار وكفايتها ونسبة المروى الى المطري وهناك السياسات الزراعية
والمؤسسات التي تقدم الخدمات، ونوعية المدخلات التقنية المستعملة في نظم الإنتاج،
وكل ذلك يدخل في معادلة الأرض والسكان والتي يعتبر نصيب الفرد من الأرض الزراعية
واحدة من متغيرات هذه المعادلة، أن نصيب الفرد من الأراضي الزراعية لا يشكل العامل
الحاسم في تقرير مستوى الأمن الغذائي وإنما ينبغي أن ينظر إليه في سياق النظر إلى
مجموع الركائز الأخرى ( انظر جدول رقم 2).
وحسب إحصاءات وزارة الزراعة فإن قيمة الإنتاج الزراعي بلغت 787 مليون دولار، منها 474 مليون دولار
انتاج نباتي بنسبة 6,5٪ و311 مليون دولار انتاج حيواني بنسبة 39,5 ٪ ويتبين أن
نسبة الإنتاج الزراعي في انخفاض مستمر بسبب محدودية المياه والأراضي الزراعية
وزيادة المنافسة عليها من قبل القطاعات الأخرى، وانجراف التربة وتدهور خواصها
وتدني انتاجيتها، كذلك تدهور الغطاء النباتي ومواطن الأحياء البرية النباتية
والحيوانية إضافة للزحف العمراني والحضري والتوسع في الإنشاءات على حساب الأراضي
الزراعية.
وبالرغم من
الظروف الصعبة التي أثرت وما تزال تؤثر سلبية على تطور الزراعة الفلسطينية فإن هناك العديد من
الفرص والإمكانات المتاحة للزراعة والتي تشكل ميزة نسبية في فلسطين ويتوجب تعظيم
الفائدة منها عند وضع الإستراتيجيات والخطط الزراعية تتمثل بما يلي:
* إمكانية التوسع الأفقي والرأسي في استغلال الموارد الزراعية الأرض والمياه.
* الموقع الجغرافي وسهولة الوصول الى الأسواق العربية والأجنبية وسهولة الحصول على تكنولوجيا الزراعة.
* التنوع المناخي الذي يتيح إنتاج المحاصيل في أوقات متعددة سنوية.
* توفر العمالة الزراعية المدربة بأجور منافسة.
الثروة الحيوانية
تعتبر المنتجات الحيوانية من لحوم حمراء وبيضاء
وألبان وبيض أغذية أساسية يجب تأمينها للمواطن بأسعار مناسبة حسب ما تتطلبه
استراتيجية الأمن الغذائي، ومن ناحية أخرى فإن تكلفة إنتاجها المحلي عالية نسبية،
حيث تمثل الأعلاف الخضراء والمركزة أكثر من 60٪ من تكاليف إنتاجها، وهذه الأعلاف
تحتاج تخصيص موارد كبيرة من الأراضي والمياه تتنافس على استخدامها مجموعة كبيرة من
المحاصيل الزراعية الأخرى الأساسية للإستهلاك والتصدير والتصنيع.
وفي هذا الإطار
ترمی خطة تنمية الإنتاج الحيواني لوزارة الزراعة إلى
زيادة الإنتاج بواسطة التوسع الأفقي باستغلال المراعي الطبيعية ونسبة معينة من
الأراضي الجديدة المروية والبعلية الإنتاج الأعلاف وكذلك بواسع التوسع لزيادة
الإنتاجية (انظر جدول رقم3).
وبالنسبة
للرؤوس الحيوانية بلغ عدد الأغنام والماعز حوالي 772 ألف رأس والأبقار حوالي 21 ألف رأس معظمها موجود في محافظات الضفة.
كما يوجد في
فلسطين حوالي 36 مليون طیر لاحم منها ۲٤ ملیون طير في الضفة و۱۲ مليون في غزة
إضافة الى 1٫97 مليون طير
بياض منها 1٫23 مليون طير في
الضفة و202 الف طير في
غزة."
وحسب رأي
الخبراء في مجال الأمن الغذائي يمكن لفلسطين بلوغ نسبة عالية من الاكتفاء الذاتي
من الحليب الطازج ومنتجاته بزيادة انتاجية الأبقار والأغنام الحلوب الحالية،
وبالتوسع في زيادة الأعداد من الأبقار والأغنام، باستغلال طاقات المراعي والأراضي
والمياه المتاحة، وتأمين مرافق تصنيع وتسويق الحليب ومنتجاته وتوفير الخدمات
المؤسسية من أبحاث وإرشاد وتدريب وإقراض وخدمات بيطرية.
وتبين
الإحصاءات أن خطة زيادة الإنتاجية من الثروة الحيوانية الحالية وخطة التوسع في
إعداد الأبقار والأغنام الإضافية ستغطي حوالي 76٪ من متطلبات الاستهلاك المحلي.
خطة تنمية إنتاج البيض
أما خطة تنمية
إنتاج البيض فتتطلب تربية إضافية لحوالي 900 ألف دجاجة بياضة سنوية، وتحسين كفاءة إنتاج مزارع الدجاج البياض
الحالية والجديدة وتامين مستلزمات الإنتاج بافضل نوعية وأقل تكلفة ممكنة شاملأ
صيصان التربية والأعلاف والأدوية والإنشاءات والمعدات المتخصصة بمزارع الدجاج
البياض وتامين تسهيلات ومرافق التجهيز والتسويق وجميع الخدمات الحكومية من أبحاث
وارشاد وتدريب ومختبرات ووقاية.
نشر بتاريخ - يناير - 2000 - العدد 29 - مجلة الرأي